25‏/05‏/2011

قصيدة في رثاء الأب



ما كان يضحكني قد بات يبكيني ضدّان أصلهما من سر ّتكويني
أبكي وأَضحكُ لا حزنًا ولا فرحًا لكنَّ سرَّهما سِيَّانِ في ديني
البعضُ يضحكُ مسرورًا بعيشتهِ والبؤس يرصده صَيْدًا لِـمسكينِ
والبعضُ يبكي وما في عيشهِ حُزُنٌ فالفَرْحُ مصدرُهُ المجبولُ كالطينِ
ما فاتَ من عُمُرٍ ضيعتَه أبدًا فكيف تأملُ خيرًا عندَ مَدْفونِ
أمّا المؤمّلُ غيبٌ لستَ تدركُهُ لو كنتَ جنًّا له علمُ الشّياطينِ
فعشْ حياتَكَ مقرونًا بساعتها فالعمرُ ينقصُ بينَ الحينِ والحينِ
هيَ الحياةُ، شقاءٌ حَظِّ عاقلها وليسَ يسعَدُ فيها غيرُ مجنونِ
فكفُّ ميزانها يرقى لخفتِهِ والثقل يرسُبُ، فيه خيرُ موزونِ
ما كنتُ أيقِنُ أنَّ الموتَ كارثةٌ حتى تصيَّدَ مَنْ قد كانَ يعنيني
كالذئبِ أنشَبَ في قلبي مخالبَهُ مخلفًا ندُبًا من طعنِ سِكينِ
قالوا: "أبوكَ" فقلتُ: "العينُ ترمُقُهُ" "قدْ ماتَ"، قلتُ: "شغافَ القلبِ يُعطيني"
وقلتُ: "أعشَقُهُ"، قالوا: " ستفقدُهُ" هذا الكلامُ غباءٌ لا يعزيني
فهلْ يموتُ وفي قلبي محبتُهُ تبقى ومن دَمِهِ تجري شراييني
وهلْ يموتُ وركْنُ البيتِ لمستُهُ مطبوعَةٌ من عُيونِ الشَّرِّ تحميني
إنْ أبدعَ المطربُ الفنّانُ أسمعُهُ وإنْ ترنَّمَ صدّاحُ البساتينِ
وهلْ يموتُ وفي أجوائنا عَبَقٌ منه يفوحُ وعطرٌ كالرّياحينِ
وفي الصّباحِ أُحييهِ، فيغمُرُني عطفًا، بأحسنِ ألفاظٍ يُحييني
ما دامَ في النّاس خيرٌ فهو مصدَرُهُ فإنْ فقدتُهُ لا خيرٌ يُهنيني
ما ماتَ مَنْ ذكرُهُ في الناس مُنطبعٌ تبقى محبتُهُ فالذكرُ يكفيني

هناك تعليق واحد: